الجدّ، الأسطورة، وذاكرة الدم عند التبو (تيدا)


احمد ابراهيم الموساوي —-يكتب؟



يقول شيوخ التبو (تيدا):

الإنسان بلا سَلَف كالنخلة بلا جذر،

ولذلك فإن أول ما يُسأل عنه الرجل التبوي ليس ماله ولا سلاحه،

بل: مِن أيِّ جدٍّ جاء، ومن أيِّ دمٍ انحدر.

فالجدّ عند التبو (تيدا) ليس اسمًا في شجرة نسب،

بل حضورٌ دائم؛

يُذكر عند الخصام،

ويُستدعى في القسم،

وتُحفظ قبوره في الوديان والهضاب كما تُحفظ العلامات في الطريق.

يُقال: هنا نزل جدّنا، وهنا شرب، وهنا ذبح.

السلف المؤسِّس

لكل عشيرة تبوية جدٌّ مؤسِّس،

يُنسب إليه الاسم، أو اللقب، أو التحريم، أو العلامة.

وقد يكون:

• رجلَ حرب

• دليلَ هجرة

• فاتحَ مرعى

• أو صاحبَ نبع ماء

ولا تُورث زعامته،

لكن تُورث هيبته،

فتسكن في الاسم وتعيش في الذاكرة.

ولا يهم كثيرًا إن كان هذا الجد قد عاش فعلًا كما تُروى حكايته،

فالحكاية نفسها صارت حقيقة اجتماعية،

تحكم السلوك،

وتشدّ الأواصر.

الأسطورة: ذاكرة تفسّر العالم

لكل عشيرة أسطورة،

قصيرة غالبًا، لكنها عميقة المعنى.

تحكي عن:

• رحلة طويلة من الكفرة أو فزان أو بوركو

• صراع مع قومٍ آخرين

• ذبحٍ محرَّم أو نجاةٍ عجيبة

• عهدٍ قُطع مع جنّي أو قوة خفية

• أو علامة ظهرت في حلم أو نجم

الأسطورة ليست للتسلية،

بل لتفسير:

• لماذا حُرِّم هذا الطعام

• لماذا يُقسم بهذه الصيغة

• ولماذا يُقدَّم الذبح في هذا الموضع دون غيره

وفي تيبستي خاصة،

تختلط الأسطورة بالدين القديم،

وتبقى آثارها في أماكن الذبح،

وفي الحجارة الملطخة،

وفي أسماء الجنّ الحارسة.

أسماء العشائر ودلالاتها

أسماء العشائر التبوية ليست اعتباطية،

بل تحمل:

• معنى

• لونًا

• صفة

• أو قصة

ومنها ما يُنسب إلى:

• اسم الجدّ

• لون أو صفة: مثل مادا أي «الحُمر»

• مكان: جبل، وادٍ، أو مرعى

• لقب شرفي: كـ كوشي أو مرداي

وتنضوي العشائر الكبرى ضمن مجموعات أوسع:

• التيدا في تيبستي

• الدازا في بوركو وكانم

• الكرا (كريدا)

• الدونزا

• الأرنا

• الآنا (البدايات) في إينيدي

ورغم التباعد،

تعود كل هذه الفروع إلى دمٍ واحد،

وإن اختلفت الروايات.

الاسم، اللقب، العلامة، والتحريم

لكل عشيرة:

• اسمٌ يُنادى به

• لقبٌ يُفتخر به أو يُخشى

• علامة تُوسم بها الإبل أو تُوشم على الجسد

• تحريم إن ذُكر أُشعل الغضب

• قسم إن حُنث به جلب العار

والعار عند التبو (تيدا)

أثقل من الموت،

لأنه يصيب الاسم، لا الجسد.

بقاء الاسم وزوال العشيرة

تولد العشيرة،

تكبر،

تتشعب،

ثم تضعف.

وقد تموت العشيرة،

لكن:

• يبقى اسمها في لقب

• أو في علامة

• أو في تحريمٍ غامض لا يُعرف أصله

ويقال:

العشيرة تموت، لكن الأثر لا يموت.

نماذج من الأسلاف والأساطير والتحريمات

1) التوماغرا (Tomagra)

جدّهم من أوائل من نزلوا سفوح تيبستي.

اشتهر بالحزم ولباس الجلد (الفرطة).

بعد الإسلام، حُرِّم لباس الجلد،

وصار القسم:

«إن كذبتُ فليُعلّق جلدٌ في عنقي».

2) الغوبودا (Gouboda)

أسطورة الحمار الأسود الخطم،

لقبٌ وُلد من عارٍ قديم وانقسام دموي.

القسم:

«إن كنتُ كاذبًا فقد حمّلتُ حمارًا أسود الخطم».

3) التيغوا (Tegua)

لا يصطادون الموفلون.

الجدّ رآه مستعيذًا،

فصار الحيوان محرّمًا.

4) التيرينتيري (Terintere)

يحرمون النعامة لنجاة الجدّ بها،

ويحرمون لحم الماعز بسبب إهانةٍ قديمة

سكن غضبها في اللحم.

5) التوزوبا (Tozoba)

يحرمون شرب لبن الماعز إذا كان صغيرها دون يومين،

لأن اللبن احترق في وجه الجدّ.

6) المادا (Mada)

اسمهم «الحُمر».

يحرمون القلب لأنه مقرّ الدم،

والدم أصل الحياة.

7) الماهدينا (Mahadena)

لا يأكلون الكبد،

ويقولون:

«الكبد دمٌ متجلّط».

الأودوبايا (Odobaya)

إذا لمس مقبض الملعقة العصيدة،

صار الطعام محرّمًا،

وذكر الحادثة قد يُشعل القتال.

9) السيرديغوا والإيديرغويا

يحرمون الزبدة إذا لامست الأرض،

فالنعمة إذا مست التراب

انكسرت حرمتها.

القَسَم: مصير لا كلام

القسم عند التبو (تيدا) دعاء على النفس:

• التوماغرا والغوندا: الجلد في العنق

• الغوبودا: الحمار الأسود

• الكشيردا: خلخال امرأة في القدم

والمرأة تقسم

بعارها أو بنسبها،

لا بعشيرتها.

خاتمة

هذه الحكايات لا دينًا خالصًا،

ولا عرفًا بسيطًا،

بل ذاكرة حيّة

من دم، وأرض، وخوف، وشرف،

وأسلافٍ

لم يرحلوا تمامًا.