تاجر العبيد ---

تاجر العبيد

منقول…

في أسواق النخاسة بجزيرة غوري السنغالية، كانت معايير العبد الذي يجلب الأرباح محددة بدقة: طول القامة، والعضلات المفتولة، والوزن المتناسق، وحجم القدم، وسلامة الجسد والعينين...

اشتهر تاجر فرنسي يُدعى ألبير ألكسندر بمخالفته لهذه المعايير؛ إذ كان يدفع مبالغ إضافية مقابل نوع ابتسامة العبد.

كان يقوم بضرب العبيد وإهانتهم بدرجات مختلفة، ثم يراقب ردود أفعالهم. فإذا ابتسم العبد تحت وطأة أساليب الإهانة التي تعرّض لها، اشتراه ألكسندر بسعر يتناسب مع نوع تلك الابتسامة. ولم يكن العبد ولا التاجر الذي باعه يدركان أن سبب الضرب لم يكن إلا قراءة ملامح الوجه، من خلال التعابير الوجدانية وردات الفعل السلبية؛ كالبكاء، والعبوس، والفزع، والغضب الشديد… وهي جميعها، في نظر هذا التاجر الغريب في معاييره، عيوب تُفسد رغبته في الشراء.

لاحظ تجار العبيد، بعد كثرة مراقبتهم لتصرفاته، أنه يدفع أكثر للعبد الذي يبتسم وعيناه تنظران إلى الأرض، ويدفع مبلغاً متوسطًا لمن يبتسم وهو ينظر إلى من يضربه، وأقل من ذلك لمن يبتسم بنصف فمه فقط. لكنه لا يشتري العبد الذي يضحك أثناء الضرب، بل يشتري المبتسم فقط.

وقد اكتُشف لاحقاً أن ألبير ألكسندر كان يختار العبيد الصالحين للعمل خدمًا في المنازل، وهم يختلفون عن عبيد الحقول الزراعية. فالمبتسمون في أسوأ الظروف هم، في الغالب، عبيد يألفون حياة العبودية دون اعتراض إلا نادراً، وهم أقدر من غيرهم على المجاملة. كما أنهم يؤجّلون ردّات الفعل زمناً طويلًا جداً، وأحياناً تنعدم لديهم أي ردود فعل مضادة لمختلف أنواع الإهانات.

وقد أبدع ألكسندر في دراسة هذا الصنف من العبيد، ودوّن تجاربه في أشهر كتبه صيتًا "الكنز"، فأصبحت خبرته إرثاً أنثروبولوجياً وسيكولوجيًا استفادت منه فرنسا لاحقًا في تطوير الدراسات المتعلقة بسيكولوجية العبيد، ولا سيما خدم المنازل، الذين يختلفون عن عبيد الحقول الزراعية؛ فهؤلاء ثائرون بطبعهم من أجل الحرية والكرامة الإنسانية، ولا يفارقهم هذا الشعور طيلة حياتهم، ويعملون من أجله، بل يورثونه لأبنائهم. أما عبيد المنازل، فيخشون الحرية، ولا يتصورون حياة بلا أسياد، ويدخلون في صراع شديد مع كل عبد يحمل نزعة تحررية.

وبناءً على هذه الخبرة، استفادت مناهج مدرسة وليم بونتي الفرنسية في جزيرة غوري من هذه التصنيفات في تخريج السياسيين الأفارقة. كما جرى، اعتماداً على هذه الخبرة المستمدة من تجربة ألكسندر، تصنيف ضباط المستعمرات الفرنسية الذين يُشترط تدريبهم في فرنسا؛ حيث يُحدَّد سلوك كل ضابط وقيمه وفق انتمائه إلى إحدى الفئتين: عبيد الحقول أو عبيد المنازل.

فضباط الفئة الأولى يُعيَّنون في المراكز الدنيا ويُراقَبون بعناية شديدة، بينما يتولى ضباط الفئة الثانية المراكز العليا ويديرون الحكم.

وهكذا، في أربع عشرة دولة إفريقية، يتم اليوم اختيار الرؤساء عبر تقنيات غير معلنة، من أهمها معيار الابتسامة.

ولكن احذروا التقليد؛

فليس كل من غيّر طريقة ابتسامته، يصبح عبداً رئيساً!