النيجر —روسيا


روسيا توجه ضربة نووية لفرنسا في النيجر الخبر جاء ببيان دبلوماسي، لكن وقعه كان بمثابة زلزال في الموازين الجيوسياسية، ففي 28 يوليو 2025، وقعت روسيا والنيجر مذكرة تفاهم حول التعاون في المجال النووي المدني واستغلال اليورانيوم، في خطوة تجاوزت كونها مجرد صفقة اقتصادية، لتشكل ما يشبه إعلان نهاية النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل، إنها الضربة الأقسى لفرنسا، وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صمت، لكنها دوت في كل مكان. لم يكن اختيار اليورانيوم محض صدفة، فخلال أكثر من نصف قرن، ظلت شركة "أورانو" الفرنسية (أريفا سابقا) تستخرج هذا المعدن من عمق الصحراء النيجرية، تزود به المفاعلات النووية الفرنسية، بينما ظل الشعب النيجري غارقًا في الفقر والتهميش، لقد جسد هذا المعدن العلاقة غير المتكافئة بين باريس ومستعمرتها السابقة، وأصبح رمزا للإقصاء الاقتصادي والتبعية السياسية، وعلى هذا الإرث الثقيل بنى الكرملين خطته المحكمة. في حين ظلت فرنسا تعامل النيجر كمنجم مفتوح، تقدم روسيا نفسها كشريك في التنمية، موسكو لا تتحدث فقط عن استخراج المعدن، بل عن بناء "منظومة متكاملة" تشمل سلسلة إنتاج نووي مدني، وتَعِد بنموذج أكثر عدالة يحقق للنيجر السيادة الطاقية والتنمية الوطنية، وهو أفق رفضت فرنسا طرحها أصلا مع النيجر، وهذه الوعود تمنح السلطات النيجرية، بقيادة الرئيس الجنرال تشياني، فرصة ذهبية لتسويق مشروعه السياسي كخطوة نحو الاستقلال الحقيقي. أما بالنسبة لفرنسا، فالهزيمة مزدوجة: بعد الانسحاب العسكري القسري، ها هي الآن تفقد أهم أوراقها الاقتصادية في المنطقة، وإذا ما آلت السيطرة على مواقع مثل "إيمورارن" – أحد أكبر مناجم اليورانيوم في العالم – إلى موسكو، فلن تكون الخسارة مجرد صفقة، بل نكسة استراتيجية وإهانة تاريخية يصعب تجاوزها. الاتفاق النووي بين موسكو ونيامي إذا ليس مجرد وثيقة موقّعة، بل نهاية مدوية لعهد السيطرة الفرنسية في الساحل، إنها آخر صفحة تطوى من كتاب النفوذ الفرنسي، وخطتها موسكو بيد ماهرة، بينما لم يتبق لفرنسا سوى أن تشهد بصمت على تراجعها.