#جيوسياسية_أفريقيا؟
لقد فرضت رواندا🇷🇼/ نفسها كالشرطي الجديد في أفريقيا, حتى دعت دول الساحل إلى التقارب معها. وهنا نظرة سريعة في نجاحات الجيش الرواندي في موزمبيق🇲🇿 خلال أسبوع وأسباب الدعوة.
لقرابة ما يزيد على عقدين, تبنّت رُوَاندا سياسة العزلة إبّان الإبادة الجماعية, بغية إعادة الإعمار الاقتصادي والسياسي والترميم الاجتماعي للتغلّب على الإرهاصات التي أدّت إلى كوارث استهدافات اثنية بين الهوتو والتوتسي, لكن في العام المنصرم, قرّر الرئيس الرواندي كاغامي, لعب دور القوّة التي تفرض الاستقرار في منطقة جنوب القارة الأفريقية.
ففي خواتيم 2020م أثناء انتخابات أفريقيا الوسطى, عرفت البلاد تمرداً سياسياً مدعوماً من فرنسا ضدّ الرئيس "أركانج تواديرا " حليف روسيا. فقررّ صنّاع القرار في رواندا حينها إرسال 1000 جندي, وفي لمح البصر تغيّرت المعادلة السياسية على ساحة المعركة لصالح حكومة أفريقيا الوسطى مع حليْفَيْهِ; روسيا ورواندا. منذئذٍ اكتسبت رواندا صفة "دولة صانعة السلام" بفضل جنودها العالية التدريب مع الكفاءة.
بالمثل, شهدت موزمبيق تمردا إسلامياً منذ عام 2017م، لتتصاعد الاضطرابات ومجازر أقيمت في ميادين عامة حين قطعت حركة "الشباب" -الموالي لداعش- رؤوس المدنيين على الملأ وأمام الأشهادفي العام الماضي؛ حتى سيطر المتمردون المرتبطون بالدولة الإسلامية على مدن بأكملها، بما في ذلك منطقة ميناء "موسيمبوا دا برايا" ذات الأهمية الاستراتيجية، لأنها كانت المنطلق الرئيسي للعمال الدوليين الذين يسافرون إلى مشاريع الغاز ويستخدمون مينائها لتسليم البضائع. ويأوي إقليم كابو دلغادو- الواقع في أقصى شمال الموزمبيق- وبه ميناء"موسيمبوا دا برايا- أكبر حقل للغاز بالقارة, تبلغ قيمته حوالي 60 مليار دولار, واكتُشفَ فيها أكبر منجم للياقوت.
في أوائل الأسبوع الماضي, نتيجة طلب الحكومة الموزمبيقية; أرسلت رواندا 1000 جندي آخر إلى موزمبيق, بمنطقة "كابو دلغادو" ضد اعتراض مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك) المكونة من 16 عضو, في البداية, ثم ما لبثت أنْ غيّرت موقفها من التدّخل الرواندي.
وفي هجوم برّي وبحري ضدّ المتمردين الإرهابيين لنحو أسبوع, نجحت قوات الأمن الموزمبيقية والرواندية في استعادة مدينة "موسيمبوا دا برايا" الساحلية, التي كانت التقارير الغربية تزعم أنّها عصيّة, للحرب الغير المتماثلة التي تخوضها الحركات الإرهابية. ولايزال الزحف المشترك- الموزمبيقي الرواندي- في طريقه إلى استعادة كافة الأراضي التي يسيطر عليها الإرهابيون.
وبعد نجاح رواندا بأفريقيا الوسطى بسحق التمرد المدعوم من فرنسا, واستردادها مدينة "موسيمبوا دا برايا" في كابو دلغادو الغنية بالغاز والياقوت, في عدّة أيام, تطالب دول الساحل التقارب مع رواندا لمكافحة الإرهاب أيضاً في المنطقة.
• لماذا تؤتي مبادرات رواندا ثمارها وتخفق بقية الدول في القضاء على الإرهاب في الساحل؟ 3 أسباب:
-1-; عقيدة عسكرية مختلفة عن بقية الدّول: فبخلاف الدول الأفريقية التي تمّ تدريبها مع نهايات الاستعمار على "عقيدة الدفاع" بدل الهجوم, ومحاربة الجيوش النظامية عكس حركات التمرد على طريقة "غيريلا" - أي حرب العصابات- فإن رواندا تمتلك جيشًا مختلطًا. وتستند العقيدة العسكرية لديها بما يُعرف ب "أرض الألف هيلز" وهي مبنيّة أساسًا على محاربة التمردات. حيث أتاحت إعادة تدريب رجال ميليشيات "الجبهة الشعبية الرواندية" السابقة في الجيش النظامي, بناء القدرة على الصمود في مواجهة التمرد الكلاسيكي, على غرار تمرّد الحركات الجهادية.
-2; اختلاف ساحات المعركة: ففي منطقة الساحل، لا يزال امتداد وحجم المنطقة بوسعها يمثل عقبة رئيسية أمام الدول, حيث تبلغ مساحة ليبتاكو-غورما وحدها 370.000 كيلومتر مربع, ما يفوق 4 دول في منطقة جنوب أفريقيا مثلا; مقارنة بـ 83.000 كيلومتر مربع من كابو دلغادو, في موزمبيق, وللإرهابيين في الساحل حرية التنقل وممرات التموين في الصحراء الواسعة, ومناطق جبلية للاختباء, هذا غير المناطق الحدودية الأخرى.
-3; الفروقات في الإمكانيات: ففي كابو دلغادو, لا يملك الإرهابيون ما يكفي من الوسائل والإمكانيات للتصرف على نطاق واسع; بينما في الساحل, تتمتع الجماعات الإرهابية بقدرة ملحوظة ومتطورّة على إلحاق الضرر ك: العبوات الناسفة, وقاذفة الصواريخ, والمفجر الانتحاري,والبنادق الهجومية. أغلبها أسلحة منهوبة من ذخائر المرحوم معمرّ القذّافي بعد سقوط الجماهيرية, ما وفّر لها مرونتها الاستراتيجية الكبيرة وتنسيق عملياتها أحيانًا في الهجوم على الحكومات والمدنيين سواء, عطفاً على أنّ الجماعات الإهاربية النشطة في الساحل عديدة, وتشمل: أنصار الدين, موجاو, القاعدة في المغرب الإسلامي, تنظيم الدولة الإسلامية ، كتيبة ماسينا ، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين, بخلاف موزمبيق التي تعرف نشاط حركة الشباب فقط.
الخاتمة: في السابق كان الرئيس التشادي الراحل, إدريس ديبي هو الذي لعب دور شرطي القارة, خاصة منطقة الساحل, والآن بعد رحيله تُطالب قوى في الساحل بالتقارب مع رواندا- من شرق القارة- لتلعب الدور ذاته. بناءً على استنتاجاتي المبنية على المُلاحظة, لا أحسب أنّ رواندا معنية بلعب دور صانع السلام في القارة. كما أنّ اتكّال دول الساحل على قوّة خارج الإقليم -فرنسا, أمريكا, وحلفائهما; والآن رواندا؛ يرجع للعقيدة العسكرية الخاطئة الموروثة من تركة الكولونيالية, عقيدة الدفاع بدل الهجوم, وعقيدة التطهير بعد الدمار, بدل عقيدة التصدّي للدّمار قبل حدوثه. رواندا استطاعت أنْ تنجوَ من هذه العقيدة المميتة لأنّ القائد بول كاغامي بنى جيشاً وطنياً بحاسة هجومية بعد دمار الدولة التي خلفّها الاستعمار البلجيكي-الفرنسي. إنّها عقيدة خطيرة لدرجة أنّ الخلاص منها يتطلّب الخلاص من منظومة ومعدّات وخطط عسكرية كاملة, وفقاً للبروفيسور "بوغالا" في سلسة " جيواستراتيجياته".
وهذا ما قصده كاغامي نفسه حين قال مرّة, وهو يخاطب زعماء أفريقيا في الاتحاد الأفريقي:
"أُفَضّل القول أنّ حاجتنا هي حشد العقليات الصحيحة، بدلاً من المزيد من التمويل (لمكافحة الإرهاب). فبرغم كلّ شيء, لدينا كل ما نحتاجه في أفريقيا, وبالقيمة الحقيقية. وما ينقصنا, لدينا الوسائل لاكتسابه. ومع ذلك، نَظّل -كأفارقة-متزوجين عقليًا بفكرة أنّه لا يمكن أن نَحْرز تقدماً في شيء بدون تمويل خارجي. بِتْنَا نتسوّل حتى للحصول على أشياء نمتلكها بالفعل; هذا بالتأكيد-وعلى الإطلاق- فشل في التفكير". بول كاجامي-خطابه يوم انتخب رئيساً للاتحاد الأفريقي في يونيو 2018م. وهو اليوم, يطبّق ما دعا إليه, غيرو العقلية والعقيدة, تَتغيّر اتّجاهكم.
إنّ هذه العقلية هي التي أسمّيها بعقلية قائد, كل التقدير يا غامي✊🏾.
———
**: ملاحظة: في مقال قادم سأناقش الرهانات الحقيقية في موزمبيق ولماذا الإرهاب مجرد غطاء للعبة قوى عظمى أوسع.
إدريس آيات- قسم العلوم السياسية- جامعة الكويت