مقال منقول...
مؤتمر باريس: حين تغيب عن الحضور جرأةُ التوقيع.. دربي المتوسط ينتهي بالتعادل السلبي، لكنه لا يخلُو من فرص.
الأطراف التي اتجهت نحو باريس تصرفت وفق السقف الذي سمحت لها به إكراهاتها الداخلية والتزاماتها الأيديولوجية والميليشيوية، فاتفقت على ورقة لكن لم تجرؤ على توقيعها.
صحيح أن الحضور كانوا هم من يقررون نظريا، لكن الميليشيات كانت حاضرة بالغياب.. وبيان دستة الميليشيات الذي سبق المؤتمر ربّما كان المؤثر الحقيقي الذي أملَى على ممثلي المنطقة الغربية فرملة الطموحات وخفض سقف التوقعات الفرنسي لينتهي الأمر بدربي المتوسط الفرنسي الايطالي إلى تعادل سلبي، حفظ ماء وجه الفرنسي ولم يهضم جانب الايطالي!!
غير أن الأمر لم يكن سلبياّ تماما كنتيجة المواجهة الدبلوماسية الفرنسية الايطالية، فقد أثمر على الأقل شيئا مفيدا، هو ضخ المزيد من الدماء في جسد خطة غسان سلامه الذي لاح منهكا متثاقلا خلال المدة الماضية.. الاتفاق على 10 ديسمبر كموعد للاستحقاق هو إنجازٌ غير يسير بحدّ ذاته في حال توافرت الظروف الموضوعية لتحقيقه.. فكثير من النوايا كانت شبه متحدة على "تطييره" وإدخاله في غياهب التسويف تحت تعلات وذرائع متنوعة غلب عليها المزاج الشخصي والجهوي..
المعطى الإيجابي الأكثر أهمية هو تجديد الرعاة الإقليميين الأبرز والأقرب إلى ليبيا الالتزام على مرافقة جهود تحقيق خارطة الطريق، والمرافقة هنا تعني أكثر من مجرد الجعجعة الإعلامية.. وأعتقد أن الملتقى أو المؤتمر الليبي العام الذي يفترض أن ينعقد قبل الانتخابات سيقيّــم بوضوح حالة التعاون والعرقلة بما يجعل الأطراف ملزمة أدبيا وقانونيا بتسهيل العبور نحو وضع ما بعد الانتخابات، والتجميد له ثمن ولاشك.
قبل أن أنتهي، فإن حالة "اللاغالب واللامغلوب"، والمجهر المسلّط على المشهد، يخدمان كثيرا المكونات السياسية والشعبية الوطنية غير المرتبطة بالميلشيات ولا بانتشار السلاح، ويتيحان لها فرصا استثنائية في العمل الوطني ومزيد الالتصاق بالساحة السياسية من الداخل بما قد يساعد على بلورة مشهد تعدّدي من شأنه أن يساعد على تكوين كتلة مدنية مؤثرة وازنة ضمن الحياة السياسية لضمان عدم سقوط الدولة في الدكتاتورية أو في مخالب التطرف والغلوّ الفكري والديني.
وفي الختام، المصلحة الليبية المحضة ليست المحرك الرئيسي ولا الهدف الأساسي للمؤتمر، لكن الكياسة تقتضي أن يدافع الليبيون عن بلدهم ومصلحتهم ويستفيدوا بالبراجماتية الممكنة من الزخم بعدما ثبتت صعوبة اجتماعهم أو اتفاق دون محفّز ودون ضاغط..
.