في قلب صحراء تينيري القاسية في النيجر، وقفت شجرة وحيدة كأنها معجزة وسط العدم. لم يكن حولها أي شجر على مدى مئات الكيلومترات، ومع ذلك صمدت هذه الأكاسيا العجيبة لقرون طويلة، جذورها تتغلغل في عمق الأرض حتى قرابة 35 مترًا لتشرب من ماء خفي تحت الرمال.
كانت الشجرة أكثر من مجرد نبات، كانت رمزًا للأمل ولعزيمة البقاء. القوافل العابرة للصحراء كانت تهتدي بها كما يهتدي المسافر بالنجم في السماء، والبدو الطوارق كانوا ينظرون إليها بعين التقديس، فهي دليل على أن الحياة تستطيع أن تنتصر حتى في أقسى الظروف. حتى الفرنسيون، حين رسموا خرائط المنطقة، حرصوا على وضعها كمعلم ثابت لا يمكن تجاهله.
لكن القدر كتب نهاية صادمة لهذه الشجرة الأسطورية.
ففي عام 1973، وبينما كانت لا تزال صامدة وسط الصحراء، جاءت شاحنة ليبية يقودها رجل بإهمال – تقول بعض الروايات إنه كان مخمو*رًا – فاصط*دمت بالشجرة وأسقطتها أرضًا. كان المشهد أقرب إلى السخرية المرة: صحراء شاسعة لا نهائية، وشجرة واحدة فقط، ثم تص*طدم بها شاحنة!
سقوط الشجرة لم يكن مجرد حا*دث عادي، بل كان صد*مة للمنطقة وللعالم. فقدت الصحراء معلمها الوحيد، وفقد المسافرون صديقتهم الصامتة التي رافقتهم عبر الأجيال.
لكن حكايتها لم تنتهِ تمامًا… فقد نُقل جذعها العجوز إلى المتحف الوطني في نيامي ليبقى شاهدًا على صمودها، وأقيم في مكانها الأصلي نُصب معدني يرمز إلى أن روحها ما زالت هناك، تحرس الصحراء كما فعلت يومًا.
إن قصة شجرة تينيري تُعلمنا درسًا عميقًا: أن الحياة تستطيع أن تنمو حتى في أق*سى البيئات، وأن رمزًا صغيرًا قد يصبح أملًا لأجيال كاملة. لكنها تذكرنا أيضًا أن الإهمال والطيش قادران على تدمير ما استغرق قرونًا من الصبر حتى يزدهر.

 
             
            