فزان تدق ناقوس الخطر

منقول——

ليست أزمة الوقود والمحروقات في فزان حدثا عابرا ولا خللا تقنيا يمكن تجاوزه بالوعود المؤجلة أو البيانات الباردة بل هي لحظة كاشفة لعمق الخلل في إدارة الدولة ومعايير العدالة بين أقاليمها

حين يقطع الوقود والغاز عن فزان فإن الذي يقطع في الحقيقة هو شريان الحياة لا عن منطقة بعينها بل عن فكرة الوطن نفسها

فزان لم تكن يوما عبئا على ليبيا بل كانت على الدوام عمقها الاستراتيجي وبوابة أمنها الجنوبي وظهيرها الاجتماعي الصابر

غير أن السياسات المتعاقبة تعاملت معها كهوامش بعيدة تستنزف ولا تنصف ويطلب منها الصبر دون أن يمنح لها الحد الأدنى من حقوق العيش الكريم

وحين يصبح الوقود نادرا في أرض المسافات الطويلة والحر القاسي والبرد الشديد فإن الأزمة لا تعني ازدحام طوابير فقط بل تعني شل الاقتصاد المحلي وتعطيل المدارس والمستشفيات وفتح الباب للفوضى واقتصاد الظل

إن أخطر ما في هذه الأزمة أنها تدار بعقلية اللامبالاة وكأن صبر فزان مورد لا ينفد

لكن التاريخ يعلمنا أن التهميش حين يطول يتحول إلى احتقان وأن الظلم حين يستدام يصبح تهديدا لوحدة الأوطان

وهنا يجب أن يقال الكلام بوضوح إن اللعب بلقمة الناس ووقودهم مقامرة غير محسوبة العواقب

وفزان رغم ما تعانيه ليست بلا أوراق قوة هي تملك الجغرافيا التي تمر عبرها شرايين الأمن والاقتصاد

وتملك المعابر والطرق والعمق الاجتماعي المتماسك وتملك شرعية مطلبها وعدالة قضيتها

وإذا أحسن أبناؤها توحيد كلمتهم وتحويل معاناتهم إلى ضغط سلمي منظم عبر المؤسسات الاجتماعية والصوت المدني والقانون فإنهم قادرون على فرض معادلة الإنصاف دون أن ينجروا إلى الفوضى أو يستدرجوا إلى مشاريع التقسيم

ففزان لا تهدد الوطن لكنها تذكّره بأن تجاهلها تهديد له

هذا المقال ليس دعوة للتصعيد ولا تبريرا للانقسام بل هو إنذار أخير

إنذار لمن أوقف النفط والغاز عن فزان أو تواطأ على خنقها

إنذار بأن الجنوب إذا اختل اختل معه ميزان ليبيا كله

وأن من يظن أن معاناة فزان شأن محلي يخطئ قراءة الجغرافيا والتاريخ معا ... أزمة الوقود في فزان ليست سؤال خدمات بل سؤال دولة

إما أن تدار بعقل العدالة والشراكة

أو تترك لتتحول إلى شرارة غضب في أرض أنهكها الصبر لكنها لم تفقد بعد وعيها ولا انتماءها

وفزان وهي تدق ناقوس الخطر اليوم لا تطلب امتيازا بل تطالب بحق .. ولا تلوح بالانفصال بل تحذر من طريق يقود إليه الظلم إذا استمر

إن إنصاف فزان اليوم هو حماية لوحدة ليبيا غدا .. ومن لا يسمع صوت التحذير قد لا يملك ترف الندم حين يفوت الأوان

حفظ الله ليبيا وشعبها الاصيل وجيشها الباسل وترابها الطاهر

منقول