مقالات

الحقيقة ببساطة أننا لسنا بلداً صناعياً، ولا نستطيع أن نكون كذلك خلال ثلاثين عاماً من الآن.. فالصناعة حرفة باهظة الثمن تحتاج إلى مستويات خاصة من الخبرة والمهارات والنظم المالية المعقدة، ونحن في ليبيا لا نملك ما يكفي لصناعة علبة سردين عادية.

فهل نحن بلد زراعي على الأقل؟

الإجابة بغير تعمد للسخرية: نحن لا شيء.. إننا مجرد أمة عجوز تجلس في شمال إفريقيا المحرقة وتغسل قدميها في مياه البحر والمطر وتبيع براميل الزيت. وإذا كنا قد حققنا خلال مجموعة السنوات الماضية أكثر من قفزة في ميدان التعليم والتشريع والنهوض بمستوى الحياة المادي، فإن الأمر ما يزال مجرد عمل فوق السطح. أعني مجرد محاولة لترميم جدارنا المتهدم ولكن ليس لإعادة بنائه.

فالبناء يبدأ من إقامة الأساس..

ويبدأ بالمسح الشامل وتوفير الطاقة المطلوبة وإعداد الخطط، ونحن - رغم كل نوايانا الطيبة - لم نتجه قط لمواجهة هذه الحقائق المتسمة بالأصالة، لقد فعلنا كل ما في وسعنا لمنح المواطن الليبي فرصة "الاستمتاع بخيرات بلاده"، كأن الله قد ألزمنا ببناء الجنة في صحراء ليبيا، وفعلنا أكثر مما في وسعنا لإشباع رغبات الفرد الصغيرة من زيادة الرواتب مرتين في الشهر إلى توزيع علاوات السكن فوق الرصيف، ورغم كل جهودنا اليائسة فإن المواطن الليبي ما يزال - مثل جهنم - يطلب المزيد، وما تزال الحقيقة القديمة أكثر ثباتاً: إن الإنسان لا يشبع. ولو كان يريد أن يفعل ذلك لما خرج من الجنة أصلاً.

فلماذا ندق رؤوسنا في الحائط؟

ولماذا نواصل لعبتنا المرهقة لشراء سعادة الإنسان الليبي بنقود براميل الزيت؟ فالواقع أننا عبر هذا الخطأ نصيب أنفسنا بالدوار مرتين، ونملأ بطن مواطننا بالطعام ونضعه في الشمس لكي يحلم برمضان المعظم وفضيلة الجوع.

ثم تعتريه أعراض التخمة، ويتورم بطنه مثل برميل الزيت ويقتله الملل على الرصيف، ويقتله أيضاً في الطريق إلى أثينا.. وتصبح ليبيا مقبرة المواطنين السعداء.

الصادق النيهوم 1968