أحداثُ مرزق والمصالحة والمؤسّسات اللّيبية..ما هي شروط الدور المطلوب


منقول

يربط البعض نجاح المسارات التي يُراد منها صَوْنُ السلم الاجتماعي بمناطق ليبية متوترة مثل "مُرزق" بشروط مؤكدة، كوجود طرف ضامن يعتقدون أن مؤسسات الدولة هي الأكثر قدرة على النهوض به، وذلك من منطلق أن الدولة هي صاحبة اليد الطُّولَى والسيادة على الموارد، وأنها تمتلك القوة الرادعة لإنجاح أية اتفاقيات أو تفاهمات يجري إبرامها بين المتنازعين.. الحقيقة أن هذا الكلامَ صحيح وسليمٌ في مُجمله، غير أنه يرِدُ في سياق غير السياق الذي تسلكه الأحداث، ويقفز على وقائع كثيرة معلومة بالضرورة في ليبيا..

..في ليبيا لدينا كيانٌ اسمه "الدولة" بمؤسسات بعضها مشلولٌ وبعضُها مُعطّلٌ وبعضها الآخر منتهي الصلاحيّة.. لدينا دولة، عبارة عن اسم بلا مسمى، لا تمتلك القدرة على اتِّخاذ القرار، وإن اتخذته لا تثبت عليه لأنها عاجزة عن فرضه.. فلا حصانة ولا إلزامية ولا قوّة قانونية أو عرفية لقرارات الدولة في ليبيا.. وهذا من الأسباب القوية التي تجعلها بالتالي غير قادرة على لعب دور الراعي أو الضامن أو حتى الوسيط المعنوي..

أما الحالات التي يمكن أن تستطيع فيها الدولة إنجاح اتفاق أو تفاهُم مَا، وهي بحال العجز التي نعرف، فهي لا تزيدها إلا عجزاً على عجز.. وتضاعف أعباءها.. وتغري الطامعين فيها.. وتضاعف جشع خصومها..

أمامنا دولة يتربّص بها المتنازعون وكأنهم يستدرجونها إلى كمائن "مالية" فيرغمونها بوسائل الضغط أو الإطراء أو الإغراء، على الإلقاء بثقلها -الوهمي- والارتماء في مشكلات معظمها مفتعل، يرغمونها على لعب دور لا يتناسب وقدراتها وقوتها، فتكون الطرف الأضعف والطريدة التي يترصدها الخصوم.. تندفع حكومة السراج مثلا فتقدم ضمانات كبيرة لحلحلة أزمة تاورغاء ومصراته، فيبتزها المبتزّون ويستغلّون ضعفها وافتقارها إلى أدوات الإلزام والهيبة وتجد نفسها مضطرة إلى ترضية أطراف كثيرة بالإضافة إلى الطرفين الرئيسيين.. وتندلع أزمة حقول النفط بفزان فتندفع الحكومة الضعيفة أيضا تحت الضغط و"الإغراء" إلى تقديم الوعود المليونية على أمل حل مشكلة اعتصام مطلبي، فتجد نفسها مجددا في مواجهة مفارز "متطفلة" من ضباع الدولار والدينار التي يسيل لُعابها لمجرد الحديث عن "تعويضات" أو "ترضيات" أو "تسويات" تُنهبُ من أموال الليبيين وتذهب إلى جيوب مجرمين وعصابات تحصل عليها دون جهد أو عناء..

أما قضية الحال في مرزق، فاعتقد أن فرص الحكومة الحالية في حلحلتها صفريّةٌ بالكامل، وقدراتها للتعامل معها أو الإدلاء بدلوها لتسويتها شبه منعدمة، أولاً بسبب أجواء الحرب المخيمة على منطقة النزاع، وثانيا، لغموض "الهوية" الاجتماعية والسياسية لاحد طرفي النزاع ، وشبهات "المؤامرة"، والمخاوف من الاستدراج والحُفر في منطقة ملتهبة بامتياز..

لا يقتصر الأمر على حكومة السراج أو الثني، فلكلّ منهما سقطاتها، ولكل منهما مقالب "تجرعتها" راضية أو مكرهة أو طامعة في اعتراف أو شرعية.. لكن من التفاؤل المبالغ فيه، بل من الوهم بمكان الاعتقادُ بقدرة حكومات ضعيفة ومرتعشة على لعب أدوار حاسمة في قضايا مصيرية أكانت واقعية أو مفتعلة.. فما يزال من المبكر الحديث عن أدوار قوية للدولة في الحالة الليبية وهي لم تستكمل مقوّمات وجودها بعد أن فقدتها تِباعاً.. فالسيطرة على الإقليم، والموارد، واحتكار القوة الشرعية، وحصرية استخدام السلاح السيادي، وتحييد السلاح غير الشرعي، كلها اشتراطات برتبة تحديات، وهي غائبة في كلّيتها ولن يتسنى لنا الحديث عن دولة، ولا عن خروج من دائرة الوصاية والفصل السابع إلا باستفائها وتظافرها في بلد يعلم أبناؤه أنهم قد خذلوه ونكبوه أكثر من أي طرف آخر..