بعد انهيار الثقة بين المجلس العسكري الحاكم في السودان وقادة الاحتجاجات السلمية نتيجة للمجزرة التي ارتكبتها قوات التدخل السريع وراح ضحيتها حوالي مئة معتصم، باتت الأوضاع في السودان تنزلق بصورة متسارعة نحو حالة من الفوضى ربما تتطور الى حرب أهلية تطيل امد الصراع، وتنهي طابع الاحتجاجات السلمي، وبما يفسح المجال الى تدخلات خارجية عسكرية.
لنكن صرحاء ونقول ان المشهد السوداني بات منقسما الى معسكرين، الأول، يقوده الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري، ونائبه حميدتي، ويحظى بدعم قوي من المثلث المصري السعودي الاماراتي، والثاني يقوده تيار المعارضة المدنية الذي يحظى بتعاطف ربما يتحول قريبا الى دعم مالي وربما عسكري، من قبل كل من قطر وتركيا وبعض الجماعات الإسلامية، في حالة الاستقطاب السياسي والإقليمي التي تطل برأسها وتسلل الى المشهد السوداني.
المجلس العسكري يتعجل الحسم بالطرق العسكرية، تجنبا لإطالة امد الازمة، وانتشار الفوضى، حسب تصريحات بعض المحسوبين عليه، ولكن هذا النهج اعطى ثمارا عكسية دموية، وكشف عن نوايا المجلس العسكري وميليشياته في احتكار السلطة، والسعي من اجل حكومة مدنية شكلية، تبقي كل الأمور السيادية في قبضته.
عودة الحراك السوداني الى العصيان المدني اعتبارا من اليوم الاحد، وفشل وساطة ابي محمد، رئيس الوزراء الاثيوبي، واعتقال معظم القياديين الحراكيين الذين التقوه بعد مغادرته البلاد، ومقتل أربعة اشخاص من المعتصمين برصاص قوات التدخل السريع او طعنا على ايدي ميليشيات موالية للمجلس، كلها مجتمعة او متفرقة، تشكل وصفه لمستقبل دموي قد يؤدي الى تفتيت السودان، وتحوله الى حالة يمنية أخرى، ربما اكثر خطورة.
يخطئ قادة المجلس العسكري مرتين، الأولى عندما يعتقدون ان القبضة الحديدية يمكن ان تنجح في إرهاب الحراكيين ودفعهم الى الاستسلام والقبول بدولة مدنية شكلية منزوعة السيادة والقرار المستقل، والثانية اذا اقتنعوا ان الاعتماد على قوى خارجية يمكن ان ترجح كفته وتقدم له الدعمين الدولي والإقليمي، فاذا كانت هذه القوى، ونحن نتحدث هنا عن السعودية والامارات عجزت عن حسم الوضع في اليمن بعد اربع سنوات من النزيف المالي والبشري والمعنوي، فلا نعتقد انها ستكرر الخطأ نفسه في السودان.
لا بديل امام المجلس العسكري غير القبول بوساطة رئيس الوزراء الاثيوبي باعتبارها الوحيدة المتاحة والمقبولة من الطرفين، والتعاطي بإيجابية مع مطالب الحراك بدولة مدنية حقيقية، يجري التمهيد للوصول اليها عبر انتخابات برلمانية ورئاسية يكون للشعب السوداني فيها الكلمة الأخيرة باعتباره صاحب السيادة الشرعية.
المجلس العسكري وميليشياته اوقعوا السودان في ازمة خطيرة بتدخلهم الدموي وغير المدروس جيدا في دارفور، ويبدو انهم لم يتعلموا من الاعراض الجانبية القاتلة لهذه الازمة، ويريدون تكرارها وبطريقة اكثر عنفا في الخرطوم وكل الولايات السودانية الأخرى التي يؤيد معظمها الحراك.
الازمة الحالية التي يعيشها السودان تتواضع امامها مثيلتها في دارفور، ولعل تجميد عضوية البلاد في الاتحاد الافريقي هو اول جرس انذار.. والقادم اعظم.
“راي اليوم” نقلا عن..