مقال منقول ...
ليبيا المحاصرة بالقواعد الأجنبية.. الأزمة الليبية تتحول الى شرّ محض، والجوار يولّينا ظهره حفاظا على أمنه..
القواعد العسكرية التي تحيط بليبيا من كل جانب تقريبا وخصوصا من ناحية خاصرتها الجنوبية سوف تغير الكثير مما كان مألوفا فيما يتعلق بالاستراتيجية الدفاعية، وبالعقيدة العسكرية والتوجهات الأمنية والمقاربة السياسية الليبية ضمن محيطها الجيوسياسي بشكل عام.. هذا في حال نجحت ليبيا في الخروج من أزمتها الراهنة في غضون فترة قصيرة، لا تتوافر إلى حدّ الآن مسوّغات حسابها بالسنوات في ضوء مخاطر استدامة الصراع الدائر في بلدنا..
انطلاقا مما نعلمه ومما لا نعلمه، وما يقوم الإعلام الدولي بكشفه على مدار الأيام والساعات، فقد بات في حكم المؤكد أن بلدان الجوار التي تضررت من طول أمد النزاع ببلدنا قد انخرطت في منظومات دفاع إقليمي ومتعدد الأطراف، ووضعت لها خططها الخاصة وتحالفاتها المنفصلة عن ليبيا كعمق، وكطرف وشريك اقتصادي وسياسي وأمني ودفاعي، وأن هذه التحالفات والخطط لا تسير بالضرورة في مصلحة ليبيا في كل الأحوال لكونها قد وُضِعت في غياب الليبيين أو دون مراعاة مصالحهم.. أتحدث هنا عن قواعد وتفاهمات تونسية أمريكية، وتونسية فرنسية، غرب أراضينا، وتفاهمات أكثر أهمية وخطورة في الشرق، والجنوب الشرقي، والجنوب الغربي حيث يشهد إقليم الساحل والصحراء حِراكا جيوسياسيا واستراتيجيا نشطا في علاقة بتحالفات كل من تشاد والنيجر واستضافتهما لقواعد متعددة لقوى دولية وقوى إقليمية اغتنمت فرصة الفراغ الذي تركته الدبلوماسية الليبية، واستفادت من غياب النفوذ الليبي وانحساره وفعاليته، كي تغنم الكثير من المزايا الدفاعية والسياسية والأمنية على غرار القواعد الأمريكية والإيطالية والإماراتية الجديدة، بالإضافة إلى النشاط الصيني اللافت كذلك..
وقد أسهمت الشراكة التي أقامتها دول مجاورة ذات اقتصاديات ضعيفة وموارد شحيحة كالنيجر وتشاد بالخصوص في جني مكاسب هامة متعلقة أساسا بملف التهديدات الإرهابية وملف الهجرة غير النظامية.. هذا الدول لا يزعجها أن تستضيف القواعد الأجنبية لأنها تكاد تكون طوق نجاة بالنسبة لبيئتها الأمنية والسياسية الهشة وغير المستقرة.. أما بالنسبة إلى ليبيا المغيّبة كطرف، فإنها حاضرة ولا شكّ كموضوع وهدف بما يجعلنا نتوجس توجّسا حقيقيا من تغييبنا عن أغراض ومرامي مثل هذه المنصات الجيوسياسية الإقليمية.. وإذا كنا غير متفاجئين من مثل هذه التطورات بسبب ما يعيشه البلد من اضطرابات، وبسبب تغير موقعه من بلد فاعل إلى بلد مهدّد لمصالح قوى كثيرة وأجوار كثيرين، فإننا لا يسعنا إلا أن نتمنى وندعو إلى أن يثوب الليبيون إلى رشدهم حتى لا يتحول الوطن إلى مجرد كعكة يحيط بها لاعبون من مختلف أصقاع الأرض للظفر بحصة وبموطأ قدم على أرضنا، ويتجمد تأثيرنا الإيجابي وقدرتنا على الفعل عند مستوى الصفر.. والله المستعان،