قراءة في المشهد السياسي الليبي...

مقال منقول..

أعتقد أن المحددات التي يمكن الاسترشاد بها لبلورة موقف وطني يخرج بلادنا إلى بر الأمان، تبدأ وتنتهي عند ثلاثة نقاط محوريةهي:

النقطة الأولى: إن الصراعات الدائرة اليوم في ليبيا، سواء ذلك الصراع الممتد على مساحة الوطن ضد قوى الارهاب أو الصراعات التي تدو رحاها بين الحين والأخر ..بين المليشيات المسلحة وما تفرزه من حروب أهلية......او الانقسام السياسي السائد في البلاد وماترتب عليه من انشطار مؤسسات الدولة .

هي ليست مجرد صراعات حول اقتسام السلطة والنفوذ و ستنتهي بإسقاط احدهما للآخر..... كما لا يمكن حصرها في أنها معركة يمكن حسمها عسكريا، ....مثلما لا يمكن توهم حلها بمجرد وقف القتال بين المتحاربين، أو بمجرد توقيع القوى المختلفة على ميثاق شامل.

هذه الصراعات، كلها، ترتبط، بهذا الشكل أو ذاك، بهذه الدرجة أو تلك، بمشكلة ليبيا ككل، بالأزمة العامة في ليبيا

بـ " غياب المشروع الوطني" الذي يتصدي للمهام التأسيسية لبناء الدولة الوطنية الحديثة، هذا هو جوهر الأزمة الوطنية في ليبيا.

النقطة الثانية: هذا المشروع الوطني هو خطاب

أو بوصلة الحراك السياسي والاجتماعي والامني في ليبيا...
أي التغيير المتوجه إلى كسر الحلقة المستدامة للعنف في البلاد منذ عام 2011 . وهو يرتبط بترسيخ مضامين البناء الديمقراطي السياسي وسيادة مفاهيم المجتمع المدني.

النقطة الثالثة: التغيير الحقيقي يعني التصدي لجوهر الأزمة الوطنية في ليبيا.

هذا التصدي/التغيير لا يمكن أن ينجز بواسطة طرف واحد أو جماعة واحدة، أو وفق توجه ايديولوجي او سياسي بعينه...بل هو يرتبط بالمشاركة الواسعة...بمساهمة الجميع، وفق مبدأ عدم إقصاء وإلغاء الآخر والتنازل لصالح إعادة بناء الوطن.

ومنطلقا من النقاط الثلاث هذه، أقول: لقد آن أوان مراجعة القناعات....فلقد ظلت النخب الليبية، ولأسباب سياسية واجتماعية وتاريخية…، تتخاصم وتتصارع فترة طويلة من الزمن. لكنها الأن ربما إقتنعت بان الوطن كله أصبح في مهب الريح...وان خطرا داهما يتهددها جميعا.. وان التفكير السليم يقول بان ما يجمعها من مصلحة وطنية في الحد الأدنى الضروري للحياة، أقوى مما يفرقها، وأنه آن الأوان لكي يلتقوا بجدية واخلاص لصياغة واقع جديد في ليبيا....إن كل الليبيين يحتاجون اليوم إلى بعضهم البعض اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، حتى يتحقق في ليبيا مستوى حياة متطابق مع المعايير والقيم الانسانية والعيش الكريم .

وفي هذا مدعاة لتوافق بإمكانه تطوير بناء النظام السياسي بل وتطوير الديمقراطية السياسية نفسها فينتقل بها من المساواة الشكلية، أو اللفظية، في المواطنة والحقوق والواجبات، إلى المساواة الفعلية في الواقع، حيث عند هذه النقطة فقط تتحقق العدالة. لذلك، ما نحتاجه اليوم قبل الغد، هو برنامج عمل، خارطة طريق، لصياغة مشروع وطني تجمع عليه القوى الوطنية كافة، مشروع يضمن العدالة في توزيع السلطة وفي التنمية وفي اقتسام الثروة، مشروع يسعى لترسيخ هوية ليبية تجمع في تكامل بين الوحدة والتنوع وتتأسس على واقع التعدد والتنوع الثقافي في بلادنا، والذي يجب أن يكون مصدر خصب وثراء لهويتنا الليبية، لا سببا في صراعات دامية مريرة. فليبيا بهذا التنوع، ستكون بأذن الله تعالى مشروع جديد في المنطقة، ذلك ممكن لو توافرت الارادة الوطنية الصادقة .....

فلماذا نظل نرسل الإشارات الخاطئة في كل الاتجاهات