فزان في دائرة الضوء والظلام.. وفي مرمى فوهات المدافع والبنادق.. في الحرب والسلم.. فزان في دائرة الأطماع، وفي قلب الصراع من أجل النفط أو المياه أو السيطرة على مناطق النفوذ الحدودية أو ممرات التهريب.. لكنها ربما تكون بوابة سلام وليس ثغرا مهملاً مستباحا..
تابع كثيرون ولا شك ما صدر عن الفريق علي كنّه في تسجيله المرئي من "تعليمات" إلى عدد من الوحدات والكتائب العسكرية العاملة بالجنوب يدعوها إلى التوقف عن المشاركة في الهجوم على طرابلس، والعودة إلى فزان لتأمين عاصمتها سبها وبلداتها والعمل لمصلحة المنطقة وأهلها..
الكلمة مشحونة بالمعاني والرسائل المتعددة.. ولم تكن عسكرية/عملياتية فحسب كما كان يقتضيه العرف العسكري، بل حملت مضامين اجتماعية وإنسانية وسياسية تجعل من الضروري التساؤل عن توقيت صدورها، وسياقها السياسي بالخصوص..
فالتركيز الشديد للفريق كنّه على أهمية طرابلس بالنسبة لفزان وأهلها من حيث معاشهم اليومي ومصالحهم الحياتية وارتباطهم بها كحاضنة بديلة للآلاف من أبناء الجنوب، وربطه بين الجانب الأخلاقي والمجتمعي في ضرورة عدم المشاركة في تدمير مدينة تحتضن أهل الجنوب النازحين وتزودهم بمرتباتهم واحتياجاتهم وتمدّهم بما لا يستطيعون الاستغناء عنه من مستلزمات صحة وغيرها، فيه الكثير من الرسائل إلى مناطق أخرى، ومواطنين وفاعلين آخرين في ليبيا غير أهل الجنوب..
الكلمة لامست كذلك الجانب الأمني و"النفطي" على نحو قصد به "استفزاز" "هدوء الفزازنة"، خصوصا حرس المنشآت النفطية ووحدات حماية الحدود..ودعا فيها العسكريين والأمنيين كي يهتموا بتأمين منطقة الجنوب وينتبهوا للتحديات.. لكن هنالك تساؤلات كثيرة تثيرها هذه الكلمة بالنظر إلى الموقع الذي يشغله الفريق كنّه (آمر منطقة سبها العسكرية، التابعة لحكومة الوفاق بعد تعيينه في فبراير 2019)، بالنظر إلى الانقسام الحالي:
ما هو حجم التأثير الحقيقي لعلي كنه على الوحدات العسكرية والقوة المساندة ، وفي فزان بشكل عام؟ وخاصة أن هناك عدد من الكتائب تتبع القيادة العامة في الرجمة !!
هل له ثقل اجتماعي وسياسي حقيقي بمعزل عن مركزه العسكري، وموقعه سابقاً وحالياً ؟
وما هو الوقع الذي ستخلفه كلمته لجنود ومنتسبي القوات المساندة لقوات الوفاق والمنطقة الوسطى؟
وما سيكون حجم تأثيرها على التطورات الميدانية؟
وهل لها علاقة بالتطورات التي شهدتها جلسة مجلس الأمن الأخيرة، وبالدعوة الأخيرة التي وجهتها الخارجية الأمريكية لخليفة حفتر بإيقاف الهجوم على طرابلس؟
أسئلة لا شكّ مرحلة المخاض الراهنة سوف تجيب عنها، ونأمل أن يكون في مخرجاتها خير للسلام والأمان لفزان وأهلها، وأن تمهّد سبيل السلام وحقن الدماء لليبيا وأبنائها كافة عسى أن تلملم شتاتها وتتدارك أمرها وتضمّد جراحها..