في عام 1969، أجرى عالم النفس في جامعة ستانفورد، فيليب زيمباردو، تجربة غريبة: ترك سيارتين متماثلتين في الشارع... واحدة في حي راقٍ بمدينة بالو ألتو، وأخرى في منطقة البرونكس المعروفة بمعدلات الجريمة المرتفعة في نيويورك. النتائج لم تكن كما قد يتبادر إلى الذهن... إليك ما حدث فعليًا:
ومع هذه العيوب، فقد أسهمت نتائج التجربة في تشكيل السياسات العامة لعقود. وقد أبرزت الدراسة ثلاث حقائق رئيسية عن السلوك البشري: • البيئة تؤثر على أفعالنا أكثر مما نظن. • تنهار المعايير الاجتماعية بسرعة عند أول خرق لها. • الخط الفاصل بين النظام والفوضى هش للغاية. لذلك، نحتاج دومًا إلى مؤشرات ظاهرة تدل على أن القوانين والنظام لا يزالان ساريين.
اختار زيمباردو سيارتين متطابقتين من طراز "أولدزموبيل" موديل 1959، بيضاء اللون، دون لوحات ترخيص، وبغطاء محرك مفتوح قليلاً. وضع إحدى السيارتين بالقرب من حرم جامعة نيويورك في البرونكس، والأخرى بجوار حرم جامعة ستانفورد في بالو ألتو. وكان فريق البحث يراقب السيارتين خفية.
في البرونكس، وصل أول المعتدين خلال عشر دقائق فقط. ولم يكونوا مراهقين منحرفين أو مجرمين كما قد يُتوقع، بل كانت عائلة: أب وأم وطفلهما الصغير. عملوا معًا على تفكيك البطارية والمبرد أولاً. وخلال 24 ساعة، تعرضت سيارة البرونكس لـ 23 حادثة منفصلة من السرقة أو التخريب. سُرق كل ما يمكن الاستفادة منه: البطارية، الإطارات، المبرد، والمرايا. ولم يتبق سوى هيكل السيارة المعدني المهترئ. ومع ذلك، لم يُبلَّغ أحد عن الحادثة للشرطة.
أما في بالو ألتو، فقد بقيت السيارة دون أن يمسها أحد لأكثر من أسبوع. مرّ المارة بجانبها، بعضهم أغلق غطاء المحرك عندما بدأ المطر. وحتى أن أحدهم قام بتوجيه حركة المرور حول السيارة لتفادي الحوادث. ولم يصدق زيمباردو الفارق الهائل بين البيئتين. بعد أسبوع كامل دون أي تخريب في بالو ألتو، قرر زيمباردو أن يتدخل بنفسه لتغيير الوضع.
وفي صباح يوم ثلاثاء مشمس، عند الساعة العاشرة، استخدم مطرقة ثقيلة لتحطيم جزء من السيارة. توقف بعض المارة لمشاهدة ما يحدث، لكن لم يتدخل أحد أو يعترض. وخلال ساعات، انقلب المشهد تمامًا. انضم رجل أنيق يرتدي بدلة رسمية إلى أعمال التخريب، محطماً المصابيح الأمامية. وبحلول المساء، كانت السيارة قد قُلبت على جانبها. وبحلول الصباح، لم يتبق منها شيء ذو قيمة. نُشرت نتائج التجربة في مجلة "تايم" في فبراير 1969، مما سلط الضوء على هذه الظاهرة على المستوى الوطني.
وصف علماء النفس هذا السلوك بمصطلح "الدليل الاجتماعي" - أي أن الأفراد يميلون إلى تقليد سلوك الآخرين لتحديد ما هو مقبول اجتماعياً. لاحقاً، استند علماء الجريمة جيمس كيو ويلسون وجورج كيلينغ إلى عمل زيمباردو لتطوير "نظرية النوافذ المحطمة" عام 1982. جادلوا بأن العلامات الظاهرة للفوضى تولد المزيد من الفوضى.
فالجرائم الصغيرة، إذا تُركت دون ردع، تقود إلى جرائم أكبر. وفي عام 1994، استند مفوض شرطة نيويورك، ويليام براتون، إلى هذه النظرية لصياغة استراتيجية شرطية جديدة. فشنت الشرطة حملة صارمة على المخالفات البسيطة: مثل الكتابة على الجدران، القفز فوق الحواجز في محطات المترو، وشرب الكحول في الأماكن العامة. ونتج عن ذلك انخفاض بنسبة 37% في معدلات الجرائم الخطيرة خلال ثلاث سنوات فقط. ومع ذلك، وجه النقاد عدة انتقادات للتجربة، منها: • صغر حجم العينة (سيارتان فقط) • غياب المتغيرات المضبوطة • احتمال تحيز الباحثين • مخاوف أخلاقية تتعلق بتخريب الممتلكات
ومع هذه العيوب، فقد أسهمت نتائج التجربة في تشكيل السياسات العامة لعقود. وقد أبرزت الدراسة ثلاث حقائق رئيسية عن السلوك البشري: • البيئة تؤثر على أفعالنا أكثر مما نظن. • تنهار المعايير الاجتماعية بسرعة عند أول خرق لها. • الخط الفاصل بين النظام والفوضى هش للغاية. لذلك، نحتاج دومًا إلى مؤشرات ظاهرة تدل على أن القوانين والنظام لا يزالان ساريين.