لمادا لا تجاب دعواتنا---؟

🕯️ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

هذه الآية لا تُقرأ… بل توقِف القلب وقفة تشبه الصفعة؛ لأنها لا تُخاطب الظروف، بل تُخاطب عصب الحقيقة: أنّ الإنسان هو العائق… وهو الطريق في الوقت نفسه.

تكشف لك ما يحاول قلبك الهروب منه: أن التعطّل ليس دائمًا قَدَرًا، بل كثيرًا ما يكون عادةً تُميت قلبك، ذنبًا تُدَوِّم عليه، بابًا تعرف أنه خراب—ومع ذلك تُبقيه مفتوحًا وكأن نور حياتك لا يتسرّب منه.

وكأن الله يقول لك:

قبل أن تسأل عن الطريق… انظر إلى موطئ قدمك.

قبل أن تطلب الفرج… انظر أين تقف.

قبل أن تنتظر تغيّر الحياة… اسأل: هل تغيّرتَ أنت؟

وهنا يبدأ المشهد الحقيقي؛ فالقلب لا يتغيّر دفعة واحدة، بل يكشف لك الله صُوَرًا صغيرة… لكنها مرآة كاملة لحالك:

الذنب الذي تعرف أنه باب ظلام… قد يكون أوّل ما يبتلع كل الأحلام.

كم من أحدٍ يدعو الله ليلًا بالرزق والفتح، ثم قبل الفجر بلحظات يُعيد لمس شاشة يعرف أنها كانت سبب انكساره؛ قلبه يقول: “ارزقني يا رب”… وأصابعه تقول: “لن أتغيّر.”

فالذنب لا يحجب التغيير، لكن الإصرار عليه هو الذي يخنق الدعاء ويمنع البركة من أن تصعد.

ثم يأتي مشهد آخر: قلب يريد الطمأنينة… لكنه يُحبّ ما يُتلفه.

يقول: “أريد راحة.” لكنه يسهر على ما ينهش روحه.

يقول: “أريد سكينة.” لكنه يحتضن المقارنات والذكريات والخلافات وكأنها كنز، لا حجر يغرقه.

يريد الله أن يغيّر حاله… وهو ما يزال يدور في نفس الدائرة التي تحرقه كل يوم.

وتظهر صورة ثالثة: رزقٌ ضاق… ويدٌ ما تزال تعبث بالمعاصي.

يقول أحدهم: “لا أدري لماذا ضاق رزقي”… بينما قلبه ولسانه وهاتفه يمارسون ما يُغلق أبواب البركة.

يريد توسعة من السماء… وصدره ضيّق بما فيه من غلّ وتذمّر وذنوب مُعَلّقة.

فالآية ليست تهديدًا… بل قاعدة واضحة: ما دمتَ تمسك الخطأ بيد، فلا تسأل لماذا لا تُفتح يد الله باليد الأخرى.

ويأتي مشهد رابع: رجل يريد بداية جديدة… بعقلية الأمس.

يطلب صفحة بيضاء، لكنه يحمل قلمه القديم، وأصدقاء الأمس، وعادات الأمس، وأفكارًا كانت تُسقِطه وما زال يحتفظ بها كأنها جزء من هويته.

هذا ليس تأخيرًا من الله… بل انسحاب من نفسك.

ثم صورة خامسة: دعاء بلا حركة.

كأن الآية تقول لك: “لن يغيّر الله طريقًا لم تبدأ أنت بالمشي فيه.”

فالدعاء مفتاح… لكن الباب لا يفتح ما دامت الخطوة واقفة والنية مُعلّقة.

ثم تأتي النقطة الفاصلة:

الله لا يريد منك ثورة، ولا قلبًا جديدًا في ليلة… يريد خطوة واحدة صادقة:

خطوة تُغلق فيها بابًا أسود ظلَّ مفتوحًا طويلًا…

أو تُنهي عادةً كسرتك سنوات…

أو تعترف فيها أمام نفسك اعترافًا لا مجاملة فيه.

هذه الخطوة الصغيرة… هي التي تُغيّر طريقك، وقدرك، ورزقك، وطمأنينتك.

وهنا تعود الآية لتضع الخاتمة بوضوحها القديم الجديد:

إن غيّرتَ ما بنفسك… غيّر الله ما حولك.

اضبط نظرك… يضبط الله لك قدرك.

طهّر قلبك… يطهّر الله لك أيامك.

فهذه الآية ليست للقراءة… بل للنهوض.

ومن نهض اليوم… نهضت له أبواب السعادة والرزق والسكينة من حيث لا يحتسب.

#منقول